الحمد لله المنعم على عباده، المتفضل عليهم يوالى عليهم مواسم الخير ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله،ونصلى ونسلم على رسوله الكريم،أول سابق إلى المكرمات والخيرات،قبل الفوات.
فأعلم أيها المسلم الكريم أن لله حكماً بالغة في تعاقب الشهور والأعوام وتوالى الليالي والأيام .
فإن الله جعل الليل والنهار خزائن للأعمال ومراحل للآجال،يعمرها الناس بما يعملون من خير أو شر حتى ينتهي أخر أجلهم .
فبوداع شهر الخير والبركات ـ رمضان ـ دخلت أشهر الحج المباركة ولما أنقضت أعقبها شهر كريم وهو شهر محرم ـ وهو مفتاح السنة.
أتفق رأي عمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم بعد اتفاقهم أن أهم حدث يؤرخ به المسلمون هو الهجرة، أن يبدأ التاريخ بشهر محرم لأنه يلي ذي الحجة،وفي ذي الحجة بايع النبي الأنصار وتلك البيعة من مقدمات الهجرة فكان أولى الشهور بالأولوية شهر محرم.
ثم أتفق المسلمون أن يبدأ التاريخ اليومي من غروب الشمس والشهري من رؤية الهلال،والسنوي من الهجرة،وهذا الذي اعتبره الفقهاء في حلول آجال المعاملات.
روي الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال : ( أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم).صحيح مسلم / باب فضل صوم المحرم 2/821 حديث رقم 1162
وفي العاشر من هذا الشهر المحرم نصر الله نبيه وكليمه موسى عليه السلام على فرعون الذي طغي وعلا في الأرض وقال : [ أنا ربكم الأعلى] وقال عنه الله تعالي : [إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ]سورة القصص الآية 28 فجاءه موسى بالبينات ودعاه إلى توحيد رب العالمين فقال فرعون منكراً وجاحداً وما (رب العالمين) ؟
فأجابه موسى (رب السموات والأرض وما بينهما إن كنـتم موقنــين) فقــــال ساخراً (ألا تستمعــون) فذكره موسى بأصله قائلاً (هو ربكم ورب آبائكم الأولين) فقال فرعون (أن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) فلما عجز عن الحجة توعد موسى (لئن اتخذت إلها غيري لاجعلنك من المسجونين)، فأوحى الله إلى موسى أن يسرى بقومه ليلاً من مصر إلى الشام،فجمع فرعون قومه وخرج في أثر موسى (فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى انا لمدركون ) فالبحر من أمامنا أن خضناه غرقنا وفرعون وقومه خلفنا فإن وقفنا أدركنا فقال موسى (كلا أن معي ربي سيهدين) وتقدم موسى إلى البحر فأمره الله تعالي [أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ]سورة الشعراء الآية 63 فضربه فانفلق البحر اثني عشر طريقاً بعدد أسباط بني إسرائيل وصار البحر يابساً ـ وصار الماء بين هذه الطرق كالجبال ـ فسلكه موسى ومن معه ولما تكامل قومه خارجين وتكامل فرعون وقومه داخلين أطبق الله عليهم البحر فأغرق قوم فرعون أجمعين إلا فرعون فأنجاه بجسده ليكون عبرة لمن بعده
، فصام موسى شكراً لله هذا اليوم(العاشر من محرم) الذي نجاه الله فيه، وظهرت فيه آيات الله في مخلوقاته وكانت نعمة تستحق الحمد والشكر.
صوم يوم عاشوراء:ـ
يوم العاشر من المحرم (عاشوراء) من الأيام التي خصها رسول الله بالصيام وحث الناس على صيامه لمزيد فضله .
يوم عاشوراء كان معروفاً في الجاهلية، كما في حديث السيدة عائشة قال : (كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية ) سئل رسول الله عن يوم عرفة قال ايكفر السنة الماضية والباقية وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال يكفر السنة الماضية) صحيح مسلم استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر 2/819 حديث رقم 1163وكانت قريش تعظمه بكسوة الكعبة وغيرها من الأعمال وكان رسول الله يصومه .
ولما هاجر الرسول وقدم إلى المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال لهم : ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ قالوا هذا يوم عظيم أنجي الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه ، فصامه موسى شكراً لله فنحن نصومه فقال رسول الله (نحن أحق وأولي بموسى منكم ) فصامه وأمر بصيامه حتى أرسل إلى قرى الأنصار التي حول المدينة منادياً يقول: من كان أصبح صائماً فليتم صومه ومن كان أصبح مفطراً فليمسك بقية يومه فان اليوم يوم عاشوراء . صحيح مسلم /باب صوم يوم عاشوراء 2/792 حديث 1125
فصيام عاشوراء هو شكرا لله تعالي وعملُ بسنته وإحياء لشعائر شريعته .
لذا قال العلماء كان صوم يوم عاشوراء واجباً فلما فرض صيام رمضان قال رسول الله (من شاء صامه ومن شاء تركه ) فأصبح صومه سنة مستحبة
والصحابة رضوان الله عليهم حرصاً منهم على مخالفة اليهود ـ أرادوا أن يتميزوا بصيامهم كما روى الإمام مسلم في صحيحة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه لما قيل لرسول الله : أن هذا يوم تعظمه اليهود والنصارى، قال ( أن بقيت إلى قابل لاصومن التاسع فلم يأت العام القابل حتى توفي الرسول ). صحيح البخاري باب صيام عاشوراء 2/705 حديث رقم 1902
وروى البيهقي في سننه (صوموا يوماً قبله ويوماً بعده ).
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( ما رأيت النبي يتحرى صيام يوم فضله علي غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء).
مراتب صوم عاشوراء ثلاث :
1/ أكملها : أن يصام يوم قبله ويوم بعده .
2/ ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر من محرم
3/ إفراد العاشر وحده بالصيام .
تنبيه :
الثابت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم صيام يوم عاشوراء والحث عليه ، ولم يثبت عنه أداء شعائره أخره ، غير الصوم ، ولكن الناس فيما بعد فعلوا أشياء لم تكن في عهد النبي صلي الله عليه وسلم كما يفعل الغلاة من الشيعة الذين يتعصبون للحسين وأهل بيته رضي الله عنهم لما قتل . مظلوماً شهيداً فاتخذوا يوم عاشوراء
يوم مأتم وحزن ونياحة تظهر فيه شعائر الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب وقابل هذا الفريق فريق آخر بقول بالتزيين والإغتسال والإكتحال والتوسعة علي العيال واتخاذه موسماً أو عيداً تذبح فيه الذبائح ويتوسع فيه الناس .
كل هذا ليس له أصل في دين الله ولاصح منه شئ سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم .
والمتأمل للنصوص يجد أن الحكمة من صيام يوم عاشوراء هي :ـ
شكر الله تعالي على نعمه على عباده .
الاقتداء بسنة نبيه وأحياء شعائر شريعته .
التملي من ذكريات أحداث تاريخ الأنبياء عليهم السلام .
قال تعالي :
(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) . سورة يوسف الآية (111)
صدق الله العظيم
بحث هذه المدونة الإلكترونية
الاثنين، 15 فبراير 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق